1) إشكال المحور:
من
اليسير ملاحظة تفاوت الناس من حيث القيمة المعطاة لكل منهم داخل المجتمع، فالبعض
منهم ينال من الاحترام والتقدير ما لا يناله البعض الآخر، وذلك بشكل يصعب معه
تحديد قاعدة تخضع لها هذه القيمة ، لذلك طرحت هذه المسألة مجموعة من التساؤلات
يمكن إجمالها فيما يلي:
ما
مصدر قيمة الشخص؟ هل يستمد الشخص قيمته من مصدر خارجي متمثل في مقدار انخراطه في
بناء المجتمع والامتثال لحياة المجموع؟ أم أن مصدر هذه القيمة ذاتي يستمد من الشخص
من حيث هو إنسان بغض النظر عما يقوم به؟
2) مصدر قيمة الشخص:
موقف راولز J.Rawls(1921-2002)، "منار الفلسفة" ص 16.
يربط راولز قيمة الشخص بمدى مساهمته في بناء
النظام الاجتماعي المنصف، فلما كان المجتمع يعتمد في بنائه على أفراده، كانت قيمة
الشخص مرتبطة بذلك، مما يتمكن الشخص من تملك حس للعدالة يتناسب مع التصور
الاجتماعي لها، بحيث يستوجب التمتع بالحقوق احترام الواجبات، كما أن هذا الانخراط
يشكل التصور الصحيح لمفهوم الخير والمنفعة، إذ يصبح مفهوم الخير مفهوما عاما يشمل
الآخرين، وذلك بدل السعي نحو تحقيق المصلحة الشخصية.
إن قيمة الشخص بناء على هذا التصور مرهونة بالخدمات الاجتماعية التي يقدمها الشخص للآخرين، مقابل استفادته هو أيضا من هذه الخدمات. وعلى العكس من ذلك تتدنى وتنحط هذه القيمة كلما كان الشخص يأخذ من المجتمع أكثر مما يقدم له.
موقف هيغل 1770 - 1831: "منار الفلسفة" ص 18.
كل شخص يحتل في المجتمع مكانة ويشغل وظيفة تلائم ميولاته وقدراته، فهو يختارها بناء على ذلك، وكل وضعية اجتماعية مرتبطة بواجبات لا تستقيم الحياة الاجتماعية بدونها، فالحياة
الاجتماعية أولى من حياة الفرد كفرد. لذلك فإن الخضوع لهذه الواجبات والامتثال
لروح الشعب هو العيار الذي يضفي على الشخص القيمة.
فلا قيمة لشخص لا يمتثل للواجبات التي تقتضيها وضعيته ومكانته الاجتماعيتين، ومن أجل توضيح ذلك قدم هيغل مثال المدين الذي تفرض عليه وضعيته إرجاع المبلغ المقترض للدائن في الوقت المحدد. وهكذا تكون قيمة الشخص مقرونة بالامتثال للواجبات التي تفرضها الحياة الاجتماعية.
3) قيمة الأطروحة وحدودها:
يتفق هذين التصورين
في ربط قيمة الشخص بما يقدمه الفرد لمجتمعه ومحيطه، وهو الموقف الذي ساهم بشكل
كبير في التحسيس بأهمية الحياة الاجتماعية، والتي تعتبر مصدر قوة الإنسان، فالشخص
الأناني الذي لا يسعى إلى المصلحة العامة لا قيمة له.
لكن بمزيد من التأمل سنجد أن قيمة الشخص هنا
مرتبطة بما يقدمه الشخص لا بذاته، أي بشيء خارجه لا به. فكيف يمكن مواجهة هذا الإحراج؟
موقف كانط 1724 E.Kant-1804: "مباهج الفلسفة" ص 19.
إن الشخص، باعتباره إنسانا، يمتلك كرامة
تستوجب احترامها من طرفه ومن طرف غيره، فهو عندما يحترم في نفسه تلك القيمة
النابعة من إنسانيته فإنه بذلك يفرض على الآخرين احترامه وتقديره، وبهذا يكون
الإنسان غاية في ذاته وليس وسيلة سواء بالنسبة لنفسه أو لغيره. فهو غاية موضوعية
تختلف عن الغايات الذاتية التي تستميل الانسان ويسعى إليها.
4) خلاصة تركيبية:
اختلفت
مصادر قيمة الشخص باختلاف المواقف الفلسفية، فإذا كان راولز قد حدد هذه القيمة في
تحقيق الشخص لغايات المجتمع، بحيث ترتبط هذه القيمة بالانخراط الإيجابي في نظام
التعاون الاجتماعي، فإن كانط قد رأى بأن قيمة الشخص تكمن في اعتباره غاية في ذاته،
لا وسيلة لتحقيق غايات، سواء تعلقت به أو بالآخرين، لأن كرامة الشخص لا تقوّم
بسعر، ولا تسمح بأن تعامل كوسيلة.
وبهذا
يمكن القول أن مصدر قيمة الشخص إن كان ذاتيا باعتباره كائنا يستحق التقدير
والاحترام، فإنه أيضا موضوعي يراعي طريقة وجود هذا الشخص في مجتمعه.