مجزوءة الوضع البشري | مفهوم الشخص | محور: الشخص بين الضرورة الحرية
1) إشكال المحور:
عادة ما يوصف الشخص بالإرادة والحرية
باعتباره ذاتا واعية، أي أنه حر بطبيعته لكونه قادرا على اختيار أفعاله وتحديد مصيره.
لكن الملاحظ أنه يفقد في بعض الأحيان الشعور بحريته، وتتملص أفعاله من قبضة
إرادته، كما يحصل مثلا في حالة الغضب.
فهل نستطيع القول في هذه الحالة أن الشخص خاضعا لضرورات تحول دون تمتعه بالحرية؟ هل يخضع هو الآخر للقانون الطبيعي المطلق على غرار الحيوانات؟ ألا تمنحه إنسانيته الحرية المطلقة؟ أليس الشخص مسؤولا عن أفعاله باعتباره قادرا على اختيارها؟
2) الحتميات الذاتية للشخص:
موقف سيغموند فرويد S.Freud(1856-1938)، (ص 20 من كتاب منار الفلسفة).
في خضم مواجهة الشخص لهذه القوى التي تتجاذبه نحو أطراف متناقضة، يفقد حريته، ولا يتمكن من السيطرة على أفعاله أو السلوك وفق ما يرضي جميع الأطراف.
موقف باروخ اسبينوزا 1632-1677. منار الفلسفة ص 21.
وفي
هذا السياق يستدل اسبينوزا على موقفه هذا بأن الشخص يدرك الأفضل ويتبع الأسوأ، أي
أنه لا يستطيع اختيار الفعل الذي يراه خيرا. كما أن الشخص يفعل الفعل ويندم عليه.
هذه تعد مؤشرات واضحة على وجود قوة طبيعية تجرف الإنسان إلى هذا الاختيار أو ذلك.
قيمة الأطروحة وحدودها.
كان لفلسفتي اسبينوزا
وفرويد دورا كبيرا في الكشف عن خفايا الإنسان، خصوصا ما قدمه فرويد في التحليل
النفسي. وقد تمثل ذلك هنا في إماطة اللثام عن القيود الذاتية التي قد يغفلها
الإنسان في الحديث عن حريته.
لكن القول بخضوع الإنسان
التام لهذه المحددات الطبيعية والنفسية قول مبالغ فيه، يؤدي إلى إقصاء تام لإرادة
الإنسان وقدرته على الإبداع والاختيار والفاعلية. فكيف يمكن تجاوز هذه النظرة
السلبية لحرية الشخص؟
موقف ج.ب.سارتر J.P.Sartre1905-1980:)ص 23 من مباهج الفلسفة)
في سياق ذلك رأى سارتر أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته، ذلك أنه يوجد في البداية دون خصائص تميزه، فيعمل بعد ذلك على تحديد مصيره بنفسه، فهو مشروع ملقى نحو المستقبل، لذلك نجده دائم الإنتاج لذاته، يعيد النظر في اختياراته باستمرار، ويحاول أن يطور من نفسه بتجاوز الأخطاء التي يقع فيها.
3) خلاصة تركيبية:
شهدت
مسألة حرية الشخص تعارضا كبيرا بين الفلاسفة، فقد جعل التحليل النفسي الشخص خاضعا
لحتميات يفرضها اللاشعور الذي يتحكم في اختيارات الشخص ويتدخل في سلوكاته، الأمر
الذي لم يوافق عليه التيار الوجودي الذي رأى أن وجود الشخص متميزا بالحرية المطلقة
في اختياراته وتوجهاته. وفي خضم هذا التعارض، كانت هذه الإشكالية ولازالت من أعوص
المسائل التي تعرضت لها الفلسفة، وذلك لتعدد محددات الشخص.