مجزوءة المعرفة || مفهوم النظرية والتجربة || المحور الأول: التجربة والتجريب
جديد

مجزوءة المعرفة || مفهوم النظرية والتجربة || المحور الأول: التجربة والتجريب

 

مجزوءة المعرفة || مفهوم النظرية والتجربة || المحور الأول: التجربة والتجريب

          المجزوءة الثانية: المعــــــرفة.

    تقديـــم المجزوءة:

    انصب اهتمام رواد الفلسفة الحديثة على موضوع المعرفة بوصفه أحد أهم مباحث الفلسفة، فقد حاولوا البحث في كيفية بناء معرفة يقينية لا يشوبها شك، فعملوا على ابتداع المناهج الكفيلة بذلك. وفي هذا السياق برز التيارين العقلاني والتجريبي كتيارين متعارضين حول أساس المعرفة وكيفية تشكل الوعي، وبظهورهما ظهرت جدلية العقل والواقع، أو النظرية والتجربة.

    بناء على ذلك راح العلماء والفلاسفة على حد سواء ينظرون للمناهج التي من شأنها أن تعصم العالم عن الوقوع في الخطأ، وتمكنه من بناء معرفة موضوعية. لكن إذا كان ذلك عرف نجاحا كبيرا على مستوى العلوم الدقيقة، كالفيزياء مثلا، فإنه ام يشهد نفس النجاح على مستوى العلوم الإنسانية، نظرا لعدة عوامل، أهمها غموض الموضوع، الذي يكون في هذه الحالة ذاتا واعية وحرة.

    وبين ثنايا الإشكاليات المتعلقة بمعايير المعرفة العلمية، سواء تعلق الأمر بالعلوم الإنسانية أو بالعلوم الدقيقة، يسطع السؤال الأبرز في الفلسفة، والمتعلق بمفهوم الحقيقة، باعتبارها الغاية القصوى لفعل التفلسف.

   فهل بلغ الإنسان حقيقة الطبيعة وحقيقته من خلال التقدم العلمية الذي حققه؟


مفهوم : النظرية والتجربة

تقديــم المفهــوم:    

      برزت إشكالية جديلة العقل والتجربة في الفلسفة الحديثة كما ذكرنا سابقا، فحاول كانط أن يوفق بين المدرستين اللتين جسدتا هذه الإشكالية (العقلانية والتجريبية)، من خلال إيمانه بأن المدركات الحسية بدون مقولات عقلية عمياء، والمقولات العقلية بدون مدركات حسية جوفاء. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن الإشكالية قد ظهرت من جديد في العلوم الدقيقة هذه المرة، والتي اعتمدت في بنائها وتطورها على المنهج التجريبي الكلاسيكي. فكان سبب طرح الإشكالية المذكورة هو التقدم الذي لم يعد المنهج التجريبي الكلاسيكي قادرا على مسايرته، فلاحت في الأفق بوادر ظهور عقلانية جديدة، هي العقلانية العلمية.

    فما المقصود بالمنهج التجريبي؟ وما مدى أهميته في بناء المعرفة العلمية؟

  ـــــــــــــ  المحور الأول: التجربة والتجريب   ــــــــــ:

    1) إشكال المحور:

     يحيل مفهوم التجربة بصفة عامة على الاتصال المباشر للذات المفكرة بالواقع المحسوس، ومحاولة تكوين معرفة جاهزة معطاة من خلال هذه التجربة، لكن التجربة العلمية تحمل معنى آخر أكثر دقة من المعنى الأول، فهي تقتضي بناء علميا وفق خطوات دقيقة ومنظمة. فهل هذا هو المقصود بالتجريب؟ وإذا كان كذلك فما شروطه؟

    2) شروط إنتاج معرفة علمية:

         اولا: تحليل النص:

تحليل نص كلود برنارC.Bernard (1813ـ 1878) "في رحاب الفلسفة" ص 49/69.

  أ‌) أطروحة النص:

     يقتضي بناء المعرفة العلمية توفر مجموعة من الشروط، يتكامل فيها  البعد العقلي النظري مع البعد الواقعي التجريبي، وبذلك يكون التجريب العلمي بناء تجريبيا مؤسسا على إطار نظري.

   ب‌)  تحليل عناصر النص:

يبرز كلود برنار في هذا مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في العالم الذي يصبو إلى بلوغ معرفة علمية دقيقة، تتمثل في العناصر الآتية:

      1) ينطلق العالِم من الملاحظة الأولية للظاهرة كما تتجلى في الطبيعة، فهذه الملاحظة هي التي توحي للعالم بالفرضية.

    2) تتكون لدى العاِلم فكرة تعد بمثابة افتراض تفسير مسبق للظاهرة، بناء على ملاحظته الأولية، وهي الفكرة التي تحدد له التجربة التي من المفروض القيام بها، والتي يتصورها ذهنيا قبل تفعيلها في الواقع.

     3) يفحص العالِم فكرته بناء على وقائع منظمة وصحيحة، ذلك أن التجربة يجب أن تتشكل من عناصر تمثل الظاهرة الطبيعية كما هي. فالتجربة هي الملاحظة الثانية، والتي تستوجب من العالم أن يكون بمثابة آلة تصوير، ينقل ما تنطق به التجربة دون أن يعكر صفو ذلك بأفكار مسبقة، وذلك حتى لا يقع في إسقاط أفكاره على نتائج التجربة.

       4)  يستخلص العالِم نتائج التجربة، والتي تفتح أمامه آفاقا جديدة للبحث.

   ج‌) استنتــاج:

      يؤكد موقف كلود برنار على أن المعرفة العلمية تنبني على خطوات تجريبية محكمة، تعمل الفرضية العقلية خلالها دورا هاما، من حيث إن نتيجة التجربة هي التي تحسم في تأكيد هذه الفرضية، لذلك فالقيام بتجربة دون فكرة يعمل العالم على تأكيدها هو أمر لا طائل من ورائه.

ثانيا: المناقشة

موقف روني طوم R.Thom (1923ـ 2002): "منار الفلسفة" ص 69.

إذا كانت التجربة العامية تعتمد على ملاحظة أولية بسيطة للظاهرة، فإن التجربة العلمية تتطلب سلك أربعة مراحل:

     1)  إجراء التجربة في مختبر تتوفر فيه الشروط العلمية.

     2)  تزويد المختبر بوسائل إجراء التجربة، وكذا بالموضوع المجرب عليه.

     3)  إحداث خلل في المنظومة المدروسة.

     4)  تسجيل استجابات المنظومة.

وتتطلب التجربة العلمية ــ من أجل أن تتسم بالعلمية ــ قابليتها للتكرار، مع التوصل إلى نفس النتائج، وكذا تمتعها بأهمية عملية ونظرية في نفس الوقت.

بالإضافة إلى هذه الخطوات العملية، يرى طوم أن الحديث عن التجريب العلمي لا يستقيم إلا إذا توفرت شروط نظرية تؤطر التجربة، إذ أن إجراء تجربة غير مسبوقة بفرضية أمر لا يصل بنا إلى المعرفة، لأن التجربة ينحصر دورها في تأكيد الفرضية فقط.

ثالثا: التركيب:

      إن التجريب العلمي منهج صارم يتطلب مجموعة من الخطوات، تعمل خلالها التجربة والبناء العقلي معا على التوصل إلى قانون علمي، ينتج عن تأكيد التجربة للفرضية التي ينطلق منها العالم أو نفيها، بالتالي فالتجربة ليست سوى جزءا من أجزاء التجريب، أو لحظة من لحظاته، فالتجريب العلمي يتطلب، بالإضافة إلى الخطوات العملية (التجربة والملاحظة)، شروطا نظرية (الفرضية والاستدلالات الرياضية).


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-