مجزوءة السياسة || مفهوم الحق والعدالة.
جديد

مجزوءة السياسة || مفهوم الحق والعدالة.

 

الحق والعدالة,مجزوءة السياسة الحق والعدالة,مفهوم الحق والعدالة,السياسة الحق والعدالة,الحق والعدالة السياسة,الحق,العدالة,درس الحق والعدالة,/الحق و العدالة :,والعدالة,الحق و العدالة,الحق والعدالة،,مفهومي الحق والعدالة,مفهوما الحق والعدالة,مفهوم العدالة,الحق والعدالة درس الفلسفة,العدالة أساس الحق,الحق والعدالة موقف ألان alain,درس الحق والعدالة تأطير إشكالي,مفهوم الحق,المحور الثاني العدالة أساس الحق,المحور الثاني العدالة كأساس الحق,المحور الثالث : الدولة بين الحق والعنف :

الحق والعدالة 

تقديــم المفهــوم:

    يعتبر تحقيق العدالة وإحقاق الحق وضمان تمتع الأفراد به الغاية القصوى لكل اشتغال فكري على موضوع السياسة، لكن الإشكالة التي قد تعتري هذا الموضوع تتعلق بداية بمفهوم الحق، الذي يختلف تمثله بين المنظورين الفردي والاجتماعي، فالفرد يميل إلى التمتع بالحق الطبيعي، في حين أن بناء مؤسسات وأجهزة المجتمع يقتضي الالتزام بالواجب مقابل التمتع بالحق الوضعي. فالالتزام بالقانون إذن هو السبيل الأضمن لحماية الحق، وتأسيسه على العدالة. لكن هذا يطرح إشكالية جديدة مرتبطة بمدى ملاءمة القوانين للعدالة، فالقوانين الوضعية دائمة التغير، يعدلها الأفراد متى ما وجدوا بأنها لا ترقى إلى مستوى تطلعاتهم، لكن مفهوم العدالة مفهوما مطلقا وثابتا. كما أن القوانين تتأسس على مبدأ المساواة، على اعتبار أن في ذلك تحقيقا للعدالة، لكن المساواة بين أفراد متمايزون من حيث ظروفهم وأوضاعهم وقدراتهم وغيرها، مما استدعى التفكير في ربط العدالة بالإنصاف بدل المساواة.

    فما الحق؟ وهل يمكن اعتبار القوانين الوضعية عادلة بالضرورة؟ وما موقع العدالة بين الإنصاف والمساواة؟ 

المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي.

                 1)  إشكال المحور:

إذا كان الحق الطبيعي هو مجموع الامتيازات التي تمنحها الطبيعة للفرد، والتي تتناسب مع قوته وقدرته في الحصول عليها، وإذا كان الحق الوضعي هو ما يمنحه القانون للفرد، وفق التعاقد الذي تتم فيه مراعاة حقوق الآخرين. فهل يعني ذلك أن الحق الطبيعي يتعارض مع الحق الوضعي؟ أم أن الحق الوضعي يتأسس على الحق الطبيعي؟

                  2) من الحق الطبيعي إلى الحق الوضعي:

  أولا: تحليل النص:

تحليل نص طوماس هوبزThomas Hobbes(1588ـ 1679) "في رحاب الفلسفة" ص 163.

أ) أطروحة النص:

إن الحق الطبيعي كما يتصوره هوبز هو حرية الإنسان في القيام بكل ما يرغب فيه، دون أن تعترضه حواجز خارجية، كما أنه الحق الذي يسمح للإنسان بامتلاك كل ما تمكنه قوته وقدرته من امتلاكه، مع مراعاة الحفاظ على السلم من جهة، والإبقاء على حق الدفاع عن النفس عند الاقتضاء من جهة ثانية.

ب) البنية المفاهيمية:

حق الطبيعة: الحرية التي تسمح لكل إنسان بأن يتصرف كما يشاء، وفق إمكاناته الخاصة للمحافظة على طبيعته. ويختلف الحق الطبيعي عن القانون الطبيعي الذي يلزم الإنسان إما بالقيام بالفعل أو بتركه، فالأول يعبر عن الحرية والثاني -يعبر عن الإكراه والإلزام.
الحرية الطبيعية: هي الحرية المطلقة التي تمنحها الطبيعة للإنسان، والتي تتيح للفرد القيام بكل شيء دون قيد أو شرط خارجي، وتقابلها الحرية المدنية التي يمنحها القانون، والتي تكون حرية مقيدة.

حرب الكل ضد الكل: تدل هذه الحرب على الصراع القائم من أجل حفظ البقاء، هو صراع طبيعي يجعل كل فرد يستعين بكل ما يمكن الاستعانة به من أجل المحافظة على حقه الطبيعي.

          ج) استنتاج:

    إن الحق الطبيعي كما أوضحه طوماس هوبز هو حق الإنسان في امتلاك كل شيء إن توفرت له القدرة على ذلك، فلا يوجد حاجز يعترض الإنسان ويمنعه من التمتع بحريته الطبيعية المطلقة، حتى وإن تطلب الأمر اللجوء إلى الحرب.

      ثانيا: مناقشة النص:

موقف جون جاك روسو Jean-Jacques Rousseau (1712 ـ 1778).

    يرى روسو أن الحق المطلق المؤسس على القوة، والذي لا مكان فيه للواجب، لا يقدم أية نتيجة مرضية، من حيث ارتباطه بالقوة الخاصة بالفرد، فالقوي يتمتع بكل الحقوق ولا يخضع للواجبات، الأمر الذي يؤدي في حالة فقدان هذه القوة إلى فقدان الحقوق بموازاة ذلك.

   لكن الحق الذي يزول بزوال القوة لا يمكن أن يرقى إلى المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه الحق، فما الحق إذن؟
إن الحق الذي ينبغي التشبث به حسب روسو هو الحق المدني، المقرون بالواجب، الذي وإن كان يدفع بالإنسان إلى التنازل عن بعض حقوقه، إلا أنه يمنحه مقابل ذلك حقوقا تضمنها قوة مشروعة، حقوقا لا تزول بضعف الإنسان، ما دامت غير مرتبطة بقوته الخاصة.

     ثالثا: التركيب:

      يتعارض الحق الطبيعي والحق الوضعي، من حيث إن الأول يؤسس للعنف اللامشروع، والعدوانية، كونه يعطي للفرد الحق في كل شيء، دون قيد أو شرط، أما الحق الوضعي فهو يشترط مقابل التمتع بالحق الخضوع للواجب، مما يربط حقوق الفرد بحقوق الآخرين، بحيث يوزع الحق الوضعي حقوق الأفراد بشكل عادل بينهم، بغض النظر عن قوتهم ومكانتهم.

المحور الثاني: العدالة باعتبارها حقا.

1)إشكال المحور.  

     يقتضي الحق الطبيعي السلوك وفق الإمكانات الطبيعية الخاصة بكل فرد، لحيازة امتيازات تساوي في قيمتها مقدار هذه الإمكانات، مما يضع هذا الحق الذي لا يستفيد منه إلا القوي موضع تساؤل. وبذلك لا يمكن النظر إلى الحق إلا من خلال علاقته بالعدالة، وهذه العلاقة تضعنا هي الأخرى أمام إشكالية متعلقة بالمرجع الذي يضمن العدالة في تأسيس الحق. فهل يمكن اعتبار القوانين الوضعية سبيلا لضمان تأسيس الحق على العدالة؟ أم أن القوانين ليست عادلة بالضرورة؟ 

  2) عدالة القوانين:

          أولا: تحليل النص:

تحليل نص باروخ اسبينوزا   Baruch Spinoza (1632 ـــــ 1677).

أ‌)   أطروحة النص:

     إن القانون المدني هو نتيجة العقد الذي التزم الأفراد بالخضوع بمقتضاه لسلطة عليا تحدد إطار الحق وتقرر من يستحقه، وبذلك يكون الظلم هو السعي إلى نيل حق لم يشرعه القانون المدني، ويكون الحق في معناه الصحيح هو الخضوع للتشريعات والقوانين التي تفرضها السلطة العليا.

ب)   البنية المفاهيمية:

الديمقراطية: هي الحالة الاجتماعية التي يخضع خلالها الأفراد لقوانين وضعية مؤسسة على العقل، تحمي حقوق الأفراد وتكبح الميولات الغريزية، فتسهر عليها سلطة عليا مستمدة من أفراد الشعب حسب اتفاقهم.

القانون المدني: هو مجموع التشريعات التي يتواطأ الأفراد على سنها لحماية حقوقهم، ويقابله القانون الطبيعي الذي يسلك الفرد خلاله وفق إملاءات طبيعته. 

العدل: هو تنازل الفرد عن السعي الغريزي نحو نيل الحقوق الطبيعية، والاستعداد في المقابل لإعطاء لكل ذي حق حقه الذي يشرعه القانون المدني، فالعدل بهذا المعنى يعبر عن الإنصاف.

الظلم: هو سلب الفرد حقوق الآخرين بدافع الغريزة، متذرعا في ذلك بالقانون الذي يفسر وفق هواه، ويعبر بهذا المعنى عن عدم الإنصاف.

الإنصاف: هو إعطاء الحقوق للأفراد بمراعاة التفاضل بينهم، ويقابله مفهوم المساواة الذي يعامل الأفراد بمعيار واحد دون مراعاة اختلاف بعضهم عن البعض. 

ج‌)  استنتاج:

        نستنتج من خلال تحليل هذا النص أن تأسيس الحق على العدالة يقتضي الالتزام بالقانون، الذي يضمن المصلحة العامة، ويفض النزاعات بمبدأ عقلي.

            ثانيا: المناقشة:

أ‌)  موقف شيشرونCicéron (43ـ 163 ق.م).

    يرى شيشرون أن القوانين التي تضعها المؤسسات (القوانين الوضعية) لا يمكن أن تتخذ كأساس للحق، ذلك أنها تتأسس على مبدأ المصلحة والمنفعة، من ثم ستتغير بتغير المصالح، وسيعمل كل من لم يجد فيها مصالحه على انتهاكها.  يقول شيشرون: "لن توجد عدالة ما لم توجد طبيعة صانعة للعدالة"، أي لا يمكن أن تتأسس العدالة إلا على الطبيعة البشرية المشبعة بحب الوطن وحب الناس، والاعتراف بخدماتهم، بحيث سيكون من السهل معرفة قانون مؤسس على طبيعة تحمل هذه القيم، حتى ولو لم يكن هذا القانون مكتوبا. فالطبيعة هي التي تمكننا من التمييز بين الحق والظلم.

                 ثالثا: التركيب.

       كشفت التصورات الفلسفية التي تطرقنا لها عن علاقة وثيقة بين الحق والعدالة، لكن اختلف الفلاسفة في تحديد مصدر العدالة التي تعتبر الأساس الذي يبنى عليه الحق، فقد رده اسبينوزا إلى السلطة التي تحكم وفق القوانين المدنية، في حين رأى شيشرون أن القوانين المدنية ليست عادلة بالضرورة، وهو ما يجعل الإشكالية قائمة، تعد الجدلية بين الحق الطبيعي والحق الوضعي جوهرا لها.

المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف.

1)إشكال المحور.   

     يحيل جوهر العدالة إلى التوزيع المتكافئ للحقوق، بشكل لا يتفاضل وفقه الأفراد بالنظر إلى مكانتهم الاجتماعية أو انتمائهم العرقي أو سلطتهم أو غيرها مما قد يدعو إلى التمييز بينهم. لكن المساواة المطلقة بين أفراد غير متساوين قد لا تفضي إلى تحقيق العدالة، مما استدعى التفكير في الإنصاف كبديل للمساواة.

        فما الإنصاف؟ وما الفرق بينه وبين المساواة؟ وأيهما أقرب إلى العدالة؟

         2)العدالة بين مساواة الأفراد والمفاضلة بينهم.

أ‌)    موقف أفلاطون PLATON ( 427 ق.م - 347 ق.م)

النص:  "...إننا حين كنا نضع أسس دولتنا، قد أكدنا واجبا عاما، وهذا الواجب هو العدالة، فنحن قد قررنا وأكدنا مرار على أن كل فرد يجب أن يؤدي مهمة واحدة في المجتمع، هي تلك التي وهبته الطبيعة خير قدرة على أدائها...وقلنا إن من العدل أن ينصرف المرء إلى شؤونه، دون أن يتدخل في شؤون غيره."

         يرى أفلاطون أن الناس ينقسمون حسب طبائعهم إلى مجموعة من الأصناف، تتفاضل فيما بينها وتحدد لكل شخص مهمة تناسب طبيعته، وقد حصرها في ثلاث طبقات اجتماعية، تتمثل الأولى في الحكام الذين أهلتهم طبيعتهم للحكمة والعفة، واعتدال النفس الذي يخول لهم تدبير شؤون الدولة دون تأثير للنفس الغضبية أو الشهوانية على قراراتهم. والثانية تتكون من الجند الذين يتولون الدفاع عن الوطن، بما يتميزون به عن غيرهم من الشجاعة والإقدام. أما الطبقة الثالثة فتتكون من بقية الشعب من الأطفال والعبيد والحرفيين وغيرهم، والذين يتولى كل منهم المهمة المناسبة لطبيعته.  بناء على ذلك تستوجب العدالة أن يلتزم كل فرد بالمهمة التي تناسبه، دون المطالبة بالمساواة مع الآخرين، لأن الأفراد غير متساوين أصلا كما ذكرنا، فلا يمكن مثلا للحرفي أن يحكم الدولة وإلا لفسد الحكم، وبذلك يكون الإنصاف المحقق الفعلي للعدالة.

                 أ‌)       موقف أرسطو Aristote  ( 384 ق.م - 322 ق.م ).

      في معالجته لعلاقة العدالة بالمساواة والإنصاف، رأى أرسطو أن العدالة تنقسم بحسب مجالاتها إلى قسمين: ـــــــــــــ  عدالة توزيعية؛ تهم طريقة توزيع الدولة للخيرات على الأفراد، وهي تعتمد على الإنصاف، بحيث يأخذ كل فرد من الخيرات ما يناسب مقدار ما قدمه للدولة.  ـــــــــ عدالة تعويضية؛ وتتعلق بالقضاء الذي يسعى إلى معاقبة الظالم وإنصاف المظلوم، لكن القضاء يعتمد على القانون، والقانون يتسم بالتعميم، باعتباره أحكاما عامة لا تراعي اختلاف وضعية كل حالة على حدة. وبذلك رأى أرسطو أن المساواة التي يتسم بها القانون لا تحقق العدالة، بل يجب السعي لتحقيق روح القانون بدل الوقوف عند نصوصه الجامدة، حتى تتم مراعاة التناسب والملاءمة بين الحالات والأحكام الصادرة في حقها.  انطلاقا من ذلك رأى أرسطو أيضا أن الإنصاف أقرب إلى العدالة من المساواة، لأنه يراعي الحالات المختلفة فيعطي لكل ذي حق حقه.

          ب) موقف جون راولس John Rawls (1921 ــ 2002).

   أكد راولس في سياق معالجته لنظرية العدالة أن المساواة المطلقة واللامساواة المطلقة لا تحققان العدالة، لذلك يجب تأسيس العدالة على مبدأين أساسين: المساواة في الحقوق والواجبات، واللامساواة في الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية.  أما المبدأ الأول فيقتضي تمتع جميع الأفراد بنفس الحقوق والحريات، كالحرية في التعبير والمشاركة السياسية وغيرها. وبذلك يجب أن تعطى نفس الفرصة للجميع للتعبير عن ذواتهم وإبراز مؤهلاتهم. وأما المبدأ الثاني فيقتضي مراعاة تفاوت القدرات والمواهب بين الأفراد في تحصيل الثروة وكسب مناصب السلطة، لأن هذا المجال يعتمد على قدرات الفرد ومؤهلاته. لكن ذلك يجب أن يراعى فيه استفادة الأفراد الأقل حظا في المجتمع من هذه الامتيازات، لظمان انخراطهم التلقائي في بناء النظام المنصفل للمجتمع. وبذلك يرى راولس أن العدالة هي المساواة في تهييئ الفرص وأسباب النجاح، واللامساواة في النتائج المترتبة عن ذلك.

                 3)  خلاصة تركيبية:

      اختلف الفلاسفة كما لاحظنا من خلال مواقفهم في تحديد موقع العدالة بين المساواة والإنصاف، لكنهم يتفقون حول ضرورة مراعاة التفاوت والتفاضل بين الأفراد لتحقيق العدالة في توزيع الحقوق عليهم، وبذلك يمكن القول أن تحقيق المساواة بين أفراد متفاوتون يعمق التفاوت ودرجة التفاضل، لكن اللامساواة تؤدي إلى تقليص هوة التفاوت.





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-