مجزوءة الأخلاق || مفهوم الواجب.
جديد

مجزوءة الأخلاق || مفهوم الواجب.

مفهوم الواجب,الواجب,مفهوم الواجب والتضحية,مفهوم الواجب في الفلسفة,shoalakhbar مفهوم الواجب مفاهيم عامة,الواجب والإكراه,الواجب والاكراه,مجزوءة الاخلاق مفهوم الواجب,مجزوءة الاخلاق - مفهوم الواجب,مفهوم,الواجب الفلسفة,الواجب والمجتمع,محور الواجب والاكراه,مفهوم الحرية,مفهوم السعادة,درس الواجب,المحور الأول: الواجب والإكراه,أخلاق الواجب,درس الواجب باك,دلالات الواجب,هل يقوم الواجب على الإكراه ؟,الواجب و الإكراه,ما هو موقف دوركايم من الواجب والاكراه,ملخص درس الواجب باك,الواجب والمجتمع ماكس فيبر

 مجزوءة الأخلاق:

تقديم:

     يعد مفهوم الأخلاق من بين أكثر المفاهيم المعبرة عن الوجود الإنساني في بعده الإيجابي المتمثل في القيم السامية، وتحديد علاقات الأفراد وفق معايير تكبح النوازع الغريزية المعبرة عن الشر والعدوانية.

        ارتبط مبحث الأخلاق، الذي يعد من المباحث المركزية في التفكير الفلسفي، بمجموعة من المفاهيم التي دارت حولها نقاشات قوية ومثمرة في الآن ذاته بين تصورات الفلاسفة، ويتمثل أبرزها في: الواجب، السعادة، والحرية.

يثير كل مفهوم من المفاهيم المذكورة مجموعة من الإشكاليات، فالحديث عن الواجب يجرنا بالضرورة إلى التفكير في نوع من الإلزام الذي يفرض على الفرد القيام بفعل أو تركه، فهل الواجب إلزام أم التزام؟ وما مصدر الشعور بضرورة الخضوع له؟ وما علاقته بالمجتمع؟

         هذا وقد شكل مفهوم السعادة أيضا إشكالا فلسفيا اختلفت حوله تصورات الفلاسفة، سواء تعلق الأمر بتعدد واختلاف تمثلات السعادة، أو بسعي الإنسان الدؤوب وراء تحقيقها، أو بارتباط مفهوم السعادة بالواجب. فهل للسعادة مدلول واحد؟ أم أن تمثلها يختلف من شخص إلى آخر ومن وضعية إلى أخرى؟ وما السبيل لتحقيقها؟ وما علاقتها بالواجب؟

          بالإضافة إلى المفهومين السابقين، ارتبط مبحث الأخلاق أيضا بمفهوم الحرية، باعتبارها من القيم السامية التي عمل الإنسان دوما على تحقيقها، لكن الإشكالية التي تسبق هذا التحقيق، هي دقة تحديد مفهوم الحرية، الذي يحول دون تحقيقه مجموع الحتميات والضرورات التي قد تقف في وجه حرية الإنسان. فما العلاقة بين الحرية والحتمية؟ وهل ترتبط حرية الإنسان بإرادته؟ وهل تتعارض الحرية مع القانون؟ أم أن القانون هو الذي يحرص عليها ويحميها؟

مفهوم الواجب

تقديم:

             يعطي مفهوم الواجب منذ الوهلة الأولى انطباعا يوحي بكونه مرتبطا بالإلزام والإكراه، كونه يحدد ما يجب وما لا يجب على الفرد أوالجماعة القيام به، لكن الأفراد يتقبلونه باعتباره السبيل الوحيد لحفظ الحياة الاجتماعية، وبذلك يكون مؤسسا على قناعاتهم أكثر من كونه إكراها لهم. فالواجب يقسم الأفعال بمعيار الخير والشر إلى أفعال مقبولة وأخرى مرفوضة، وهنا تطرح إشكالية مصدر الوعي الأخلاقي، فالإنسان يجد بداخله ضميرا يملي عليه القيام بالفعل أو الامتناع عنه. وقد رد بعض الفلاسفة مصدر هذا الوعي إلى المجتمع، لكن ذلك يولد أيضا إشكالية قائمة على حصر الواجب داخل الحدود الضيقة للمجتمع بدل ربطه بالمجتمع الإنساني الشاسع.  

   فهل يقوم الواجب على الإكراه؟ وما مصدر الوعي الأخلاقي؟ وما علاقة الواجب بالمجتمع؟

     المحور الأول: الواجب والإكراه.

                  1) إشكال المحور:

      يعد الخضوع للواجب بالنسبة للإنسان أمرا مؤرقا، كونه يتخذ طابع الإلزام، حيث أنه يخالف حرية الإنسان. لكن لا يمكن أن نجزم بهذا القول في ظل سعي الإنسان بدافع من قناعاته وقيمه الأخلاقية إلى إلزام نفسه بالخضوع للواجب، وذلك ترفعا منه على شهواته وغرائزه.

    فهل الواجب إلزام خارج عن إرادة الفرد؟ أم أنه التزام ذاتي نابع من قناعات الإنسان؟

                  2) الواجب بين الحرية والإكراه.

         أ) موقف دافيد هيوم، "منار الفلسفة" ص185.

       يميز هيوم بين نوعين من الواجبات الأخلاقية:

ــــــــــــــ واجبات قائمة على الميولات الغريزية الطبيعية، يخضع لها الإنسان تلبية لميولاته الطبيعية، فلا يشعر إزاءها بالإكراه، بقدر ما يحب الالتزام بها والتقيد بأوامرها.  (حب الأطفال، شكر المحسنين، مساعدة المعوزين...)

ــــــــــــــ واجبات اجتماعية، تفرضها ضرورات المصلحة المشتركة، فهي تخالف ميولات الإنسان الطبيعية، ويجد نفسه مضطرا للخضوع لها حفاظا على حياته التي لا يمكن أن تستقر بدون مجتمع منظم، وبذلك يجبر  الإنسان مثلا على المحافظة على ملكية الآخرين والوفاء والوعود وغير ذلك من هذه الواجبات التي تتخذ طابعا إلزاميا، كونها نابعة عن حرص الإنسان على مصلحته الشخصية المشروطة بمصلحة المجتمع، لأن عدم الخضوع لها يؤدي إلى انحلال المجتمع.

         ب) موقف كانط. "في رحاب الفلسفة" ص185..

      ينبع الواجب حسب كانط عن العقل العملي الأخلاقي، لا عن الميولات الغريزية، فالإنسان يخضع للواجب لأنه كائن حر، على عكس الحيوان الذي لا يخضع سوى للحتمية الطبيعية، لذلك فالواجب لا يتعارض مع الإرادة الحرة الخيرة للإنسان. فالأوامر التي يخضع لها الإنسان تتخذ شكلين: أوامر شرطية مقيدة؛ يكون الخضوع لها مدفوعا بمنفعة أو مصلحة شخصية، وأوامر مطلقة كونية، هي الواجبات التي يتم الخضوع لها لذاتها، لا لغاية يراد تحقيقها، وهي التي يفرضها العقل، الذي يعتبره كانط مصدر التشريع الذي يخضع له الإنسان.

     وبهذا يكون الخضوع للواجب الإخلاقي خضوعا لقاعدة مطلقة لا تغيرها الظروف الزمانية أو المكانية.

         3) خلاصة تركيبية:

يمكننا أن نلاحظ اختلاف الفيلسوفين حول تحديد علاقة الواجب بالإكراه، بين من ربطه بالإكراه ومن قرنه بالإرادة الحرة للإنسان. وبذلك نستنتج أن الواجب الأخلاقي ينتقل من الإكراه إلى الحرية كلما ارتقى الشخص فوق حيوانيته نحو القيم والمبادئ التي تشترطها الإنسانية. فيصير الواجب التزاما شخصيا لا يشعر إزاءه الفرد بالإكراه.        

     المحور الثاني: الوعي الأخلاقي.

                1) إشكال المحور:

     يجمع الناس على تقبل الأخلاق الحميدة ورفض السلوكات الذميمة، كأن الحكم على هذه الأخلاق خاضع لقواعد يتلقاها كل الأفراد بدون استثناء، فحتى المنحرفون من الناس لم ينحرفوا لأنهم جاهلون بما هو مطلوب منهم أخلاقيا، بالتالي فهذا الوعي الأخلاقي الذي يلجم الناس، ويحول دون خضوعهم لنزواتهم وغرائزهم هو بمثابة المراقب الملازم للإنسان.

    فما مصدر الوعي الأخلاقي؟ هل ينبع من فطرة الإنسان؟ أم أنه مكتسب عبر التنشئة الاجتماعية؟

                2) الضمير الأخلاقي بين الفطرة والاكتساب:

        أ) موقف جون جاك روسو،"في رحاب الفلسفة" ص 187.

ينأسس الوعي الأخلاقي على الطبيعة الخيرة للإنسان، ذلك أن الإنسان يولد وهو مزود بمبدأ فطري يمكنه من التمييز بين الخير والشر، ويمنحه القدرة على الميل تجاه السلوكات الأخلاقية، فإن كنا لا نملك معرفة بالمبادئ الأخلاقية، فإننا نمتلك استعدادا للميل نحوها، وهنا يميز روسو بين معرفة الخير، باعتباره مكتسبا من المحيط، وبين محبة الخير باعتبارها فطرة يولد عليها الإنسان، فالإنسان طيب بطبعه، وما يفسد أخلاقه هو الحياة الاجتماعية التي تزرع فيه الكراهية والحقد الذي يتشكل نتيجة الصراع على الملكية. ولم تأتي فكرة الالتجاء للقوانين إلا عقب الدخول في حياة مشتركة مع الآخرين.

        ب) موقف سيغموند فرويد "مباهج الفلسفة" ص 179.

            يرى المحلل النفسي فرويد أن الضمير الأخلاقي هو وظيفة من الوظائف التي يمارسها الأنا الأعلى، والأنا  الأعلى (كما تمت الإشارة إلى ذلك في دروس سابقة) هو المراقب الذي يحول دون خضوع الأنا للميولات الغريزية، ومن خلال ذلك يتولد نوع من الإحساس بالذنب عند الأنا عقب هذا الخضوع. وبذلك يرى فرويد أن الضمير الأخلاقي يتلذذ بتعذيب الأنا (السادية)، والأنا تتلذذ بتأنيب الضمير (المازوشية).

       بناء على ذلك، فالوعي الأخلاقي مكتسب حسب فرويد، إذ يتكون من خلال مجموع الأوامر التي يتلقاها الفرد من مختلف المصادر، والتي تنبذ الخضوع للغرائز، وتعمل على كبتها. وبذلك يمثل الضمير الأخلاقي تمثلا لطرق المجتمع في التمييز بين الخير والشر، والتزاما بما يبيحه وما يحرمه.

         ج) موقف فريدريك نيتشه.

        في تصوره النقدي للقيم الأخلاقية، رأى نيتشه أن الوعي الأخلاقي تكون نتيجة العلاقة المتوترة بين القوي والضعيف، والتي تجسدت بداية في العلاقة بين الدائن والمدين، فقد ارتبط هذا الوعي بإلزام المدين بإرجاع الدين الذي عليه في وقته وإلا تعرض للإهانة والعقاب، من هنا أصبح الإنسان يقدس الواجب، نظرا لقساوة العقوبة التي يتعرض لها المدين، ففي الحضارة المصرية القديمة كان الدائن لا يرحم المدين حتى بعد موته، بحيث كان يتلف بعضا من جثته. من خلال هذا التصور، رأى نيتشه بأن هناك نوعين من القيم: قيم العبيد وقيم الأسياد، أما قيم الأسياد فهي انعكاس للقوة التي يمتلكونها، والتي تخول لهم تحقيق مجدهم وتكريس سيادتهم. في المقابل تعتبر قيم العبيد قيما سلبية، تدعو إلى التسامح والتواضع والإيثار (إنكار الذات)، والتي يلتزم بها الإنسان خوفا من بطش الآخرين به.

                3) خلاصة تركيبية:

     اتضح لنا انطلاقا من المواقف السابقة، أن الفلاسفة قد اختلفوا في تحديد مصدر الوعي الأخلاقي، ما يدل على أننا وإن كنا نخضع للقواعد الأخلاقية، ويتحرك ضميرنا لمعاقبتنا إثر انحرافنا عن هذه القواعد، إلا أن مصدر هذا الإحساس مجهول بالنسبة لنا.

  المحور الثالث: الواجب والمجتمع.

                1) إشكال المحور:

             تعتبر التنشئة الاجتماعية، التي يخضع لها الفرد منذ ولادته، المحدد الرئيسي لسلوكات الأفراد وطريقة معاملاتهم وكل ما يتعلق بعلاقتهم بالآخرين، بالتالي تكون منظومة الأخلاق التي يتشبع بها الفرد معدة سلفا. فبأي معنى يمكننا القول بأن المجتمع هو مصدر الواجبات الأخلاقية؟ وهل تقتصر واجبات الأفراد على مجتمعهم؟ أم أنها واجبات تحدد المعاملات اتجاه المجتمع الإنساني عامة؟

                       2) الواجب بين محدودية المجتمع ورحابة الإنسانية.

         أ) موقف إيميل دوركايم. "في رحاب الفلسفة" ص 189.

        يتجاوز وجود المجتمع ــ حسب دوركايم ــ وجود الفرد ماديا، فالمجتمع هو اجتماع كل الأفراد، وما الفرد سوى واحد من هذا العدد الكبير، بالتالي فالواجب الأخلاقي الذي يخضع له الفرد محدد من طرف المجتمع، ذلك أن الحضارة التي يجد الفرد نفسه متشبعا بتعاليمها، والتي تحتوي على القيم الإنسانية السامية، والأخلاق النبيلة المحددة للسلوكات، مصدرها التنشئة الاجتماعية التي يخضع لها كل فرد من أفراد المجتمع.

     في نفس السياق، يرى دوركايم أن للمجتمع سلطة أخلاقية على الفرد، وذلك كونه يفرض الواجبات الأخلاقية في صيغة أوامر إلزامية، تكره الفرد على الخضوع لها، بغض النظر عن إرادته الخاصة التي قد تتعارض مع هذا الواجب. وقد لجأ الإنسان تحت سلطة هذا الصوت الاجتماعي الآمر الذي يدوي في ضمير  كل منا إلى الأساطير لتفسيره، أي إلى افتراض وجود كائنات علوية تتحكم في الإنسان.

         أ) موقف هنري برغسون. "في رحاب الفلسفة" ص 190.

        يرى برغسون أن الإنسان يتلقى الأوامر الأخلاقية من معلميه وآبائه منذ صغر سنه، ويخضع لها دون أن يتساءل عن مصدرها، فهي تمثل الأخلاق المجتمعية، فالمجتمع هو الذي يحدد الواجبات الأخلاقية، لكن برغسون يميز في هذا الصدد بين نوعين من الأخلاق:

ــــــــــــ      أخلاق منغلقة: وهي أخلاق إتباع التقاليد والخضوع للقيم الجامدة للمجتمع، والتي تعلم أبناءها الكراهية والحقد للمجتمعات الأخرى المختلفة من حيث هذه التقاليد والقيم.

ــــــــــــ      أخلاق منفتحة: هي أخلاق قائمة على المحبة والالتزام بواجبات سامية ذات بعد إنساني، بالتالي تتجاوز الجماعة وتكسر الحدود الجغرافية من أجل تحقيق مصلحة الإنسانية جمعاء.

     من خلال هذا التقسيم، فإن الواجبات الأخلاقية مرتبطة بالمجتمع، لكن ليس بمجتمع محدد في المحيط الضيق للفرد، بل بالمجتمع الإنساني، فواجبات الفرد لا توجه فقط نحو مجتمعه، بل اتجاه الإنسان بصفة عامة.

                       3) خلاصة تركيبية.

      يرتبط الواجب بالمجتمع ارتباطا وثيقا، من حيث إن المجتمع هو المحدد للواجبات الأخلاقية، لكن لا يعني ذلك أن الواجبات الأخلاقية مرتبطة بأفراد مجتمع واحد دون غيره، بل إن الأخلاق تتسم بالكونية، كونها مرتبطة بالقيم الإنسانية السامية، فمهما اختلفت المعتقدات الدينية والفوارق العرقية، ومهما تنوعت الثقافات والتقاليد، تبقى القيم السامية مشتركة بين الجميع، فلا أحد يجادل في الاحترام والتعاون والمحبة والتضامن والإحسان... كقيم تسمو فوق كل الاختلافات والفوارق.



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-