منهجية النص (تصحيح امتحان وطني)
جديد

منهجية النص (تصحيح امتحان وطني)

     

نموذج تحليل ومناقشة نص فلسفي

 (تصحيح امتحان وطني)

   طرح موضوع الإنسان عدة مفارقات فلسفية استفزت العقل البشري منذ بزوغ فجر الفلسفة، فتطورت المباحث المتعلقة به وتشعبت عبر التاريخ، ليصبح الوضع البشري أهم مبحث فلسفي في الفلسفة المعاصرة. وخصوصا موضوع الشخص الذي أفردت له هذه الفلسفة دراسات خاصة، أحاطت بكل الإشكاليات التي يطرحها، خصوصا تلك المتعلقة بالهوية.

     وهذه هي الإشكالية التي يعالجها النص الذي نعتزم تحليل مضامينه ومناقشتها. فتحديد هوية الشخص هي مغامرة البحث عن الجوهر الثابت وسط الأعراض المتغيرة، والصفة الباقية بين الصفات الزائلة، وهو ما طرح مجموعة من الأسئلة، سنجملها فيما يلي:

     ما أساس هوية الشخص؟ وهل هي ثابتة أم متغيرة؟ هل يمكن اعتبار الفكر الصفة التي تجعل الشخص هو هو في ذاته؟ أم أن البعد النفسي هو المحدد لهوية الشخص؟

      سننطلق من أجل الإجابة عن هذه الأسئلة من مضمون النص، لعل تحليله يرفع اللبس عن هذا الموضوع، فصاحب النص يؤكد أن هوية الشخص تتأسس على الفكر والذاكرة، باعتبارهما صفتان دائمتان، ويؤدي فقدانهما إلى فقدان الهوية. أما الصفات العرضية الزائلة كالجسد مثلا، فلا يمكن اعتبارها أساسا لهوية الشخص.

       انطلاقا من ذلك فالهوية تتأسس على ما هو باطني في الشخص، لا على مظهره.

       ومن أجل مزيد من التدقيق، سنقف عند أبرز المفاهيم التي شكلت هذه الأطروحة، وأبرزها مفهوم الشخص الذي يدل على الذات الواعية والمستقلة،

التي تحمل من الصفات ما يميزها عن غيرها من الذوات والأشياء. أما الهوية فهي الصفة الجوهرية التي تجعل الشخص هو هو في كل زمان ومكان. وبالتالي فهوية الشخص هي فكره الذي يمنحه من التفرد ما يجعله منطبقا مع ذاته ومختلفا عن غيره، لأن الفكر  هو الذي يمثل الحياة الباطنية الحقيقية للفرد، ويمكّنه من إدراك ذاته وإدراك محيطه واختيار أفعاله وصفاته. ويقابله الجسد الذي يمثل الجانب الخارجي المتغير والزائل.

       ولكي يجافع عن هذه الأفكار  ويوضحها، أورد صاحب النص مجموعة من الأساليب الحجاجية، كان أبرزها النفي، فقد نفى إمكانية تأسيس الهوية على الصفات الزائلة، وبالتالي نفى اعتبار الجسد أساسا لهوية الشخص. كما وظف أسلوب الاستدراك، حيث تدارك غير ما مرة الفكرة الخاطئة التي تؤسس هوية الشخص على ما هو زائل، ليثبت أن الصفة المميزة للشخص ثابتة. واعتمد على الافتراض أبضا، حيث افترض تغيرا في الجسد (لون الشعر، فقدان أحد الأعضاء..) ليثبت أن الشخص يبقى هو هو مع ذلك. ليستنتج في الأخير أن فقدان الشخص لذاكرته أو لقدرته على التفكير يفقده هويته. وبالتالي فالفكر والذاكرة هما أساس هوية الشخص.

      انطلاقا من تحليل النص وتفكيك عناصره، يتضح أنه يكتسي قيمة فلسفية تمثلت أساسا في تأكيد صاحبه على ثبات الهوية، وتقديمه تفسيرا مقنعا لشعور الشخص بثبات ذاته، وعدم إحساسه بالتغير في جوهره رغم تغير أعراضه.

وهو موقف مشابه إلى حد ما لموقف ديكارت، فهذا الفيلسوف الفرنسي أكد بدوره على أن الفكر هو أساس هوية الشخص، بل هو المحدد لوجود الشخص ووجود الأشياء من حوله، فالأنا المفكرة ذات تتحدد فطريا وتظل ثابتة أبدا، فهي جوهر الكون، وهي الأساس الثابت في الشخص الذي لا يتغير مهما كانت الظروف.

       لكن على الرغم من قوة موقفي صاحب النص ومؤيده، وعلى الرغم من تماسك حججهما، إلا أن هذا الطرح يبقى محدودا ونسبيا، حيث لا يمكن الزعم بأن الشخص جوهرا ثابتا لا يتغير، فكثيرا ما يمر الشخص بظروف معينة تغيره جذريا، قد يكون مثلا شخصا مسالما متسامحا فيتحول إلى شخص قاس عدواني، فما تفسير ذلك؟

      إن التفسير الأنسب لذلك أن الشخص لا يتحدد بالفكر أو الجانب الواعي فيه، بقدر ما تتأسس هويته على الجانب النفسي، ومن أجل توضيح ذلك سنستدعي الفيلسوف جول لاشوليي، الذي رأى أن هوية الشخص  تقوم على أساسين، دوام نفس الطبع، وترابط الذكريات. فلكل شخص سمة تميز ردود أفعاله من جهة، وهو من جهة ثانية وليد سلسلة من اللحظات النفسية التي يولد بعضها بعضا.

    انطلاقا من ذلك فإن ما يميز شخصا عن غيره هو بنيته النفسية، التي تحدد صفاته وتميزه عن غيره. وبذلك لا تكون الهوية  ثابتة، فالشخص يفقد هويته في عدة حالات، كالنوم مثلا،  أو انفصام الشخصية أو غيرها.

اتضح لنا بعد تحليل ومناقشة هذا النص أن إشكالية هوية الشخص عرفت تباينا في وجهات نظر الفلاسفة، فكل حدد الهوية بما يتناسب مع انتمائه الفكري، إذ رأى بعضهم أن الفكر هو أساس هوية الشخص، في حين جعل آخرون من البنية النفسية أساسا لها.

       أما أنا فأرى بأن الهوية تتشكل من مجموع ما قاله هؤلاء وغيرهم، فالشخص بنية مركبة من عناصر متنوعة، تندرج جميعها تحت عنوان واحد هو «الأنا».



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-