مفهوم الغير|| المحور الثاني: معرفة الغير.
جديد

مفهوم الغير|| المحور الثاني: معرفة الغير.

مفهوم الغير || المحور الثاني: معرفة الغير.

1) إشكال المحور(المفارقة والتساؤل).

    تدفع أهمية وجود الغير إلى طرح مجموعة من التساؤلات المتعلقة بمعرفته، فإذا كنا نعتقد جهلا أن فهم الغير من الأمور المتاحة بحكم قربه منا وبوحه لنا بما يخالجه من مشاعر وما يتبادر إلى ذهنه من أفكار، فإن سوء فهمه المتكرر، وتغيره المفاجئ، وغدره المحتمل، كلها من الأمور التي تدعو إلى إعادة النظر في الاعتقاد بإمكانية معرفة الغير. فهل هذه المعرفة ممكنة حقا؟ أم هي عكس ذلك؟ إذا كانت ممكنة فما السبيل إليها؟ هل يمكن أن نعرف الغير باعتباره موضوعا؟ أم باعتباره ذاتا؟ ألا يعتبر تقسيم الغير إلى ذات وموضوع عملية تحول دون معرفته؟              

2) مواقف الفلاسفة.

       أ) موقف نيكولا مالبرانش:

         غالبا ما يعتمد الناس في محاولتهم معرفة الآخرين على مبدأ المماثلة، أي افتراض التشابه بين الأنا والغير. لكن هذا المبدأ يولد معرفة تخمينية غالبا ما تكون خاطئة، لأن الأنا والغير لا يتماثلان. فإدراك وعي آخر  بواسطة وعيي لا بناسب معنى الوعي وطريقة تحققه. فالوعي هو حضور للذات أمام نفسها.

      بناء على ما سبق فمعرفة الغير بشكل تام ودقيق هو أمر مستحيل.

     ب) موقف جاستون بيرجي:

       يرى غاستون بيرجي أن معرفة الغير بشكل تام لا يمكن أن تتحقق ما دام كل من الغير و"الأنا" يعيش تجربته الخاصة التي لا يمكن نقلها ولا اختزالها، فتجربة الغير تبقى خاصة به حبيسة إحساساته، وتجربة "الأنا" كذلك. وبذلك لا يمكن بأي وجه أن يتم التواصل بينهما بشكل تام. فلا يمكن اختراق خصوصيات الغير ولا الإطلاع على عالمه حتى لو أراد ذلك، لأن التجربة الذاتية بالنسبة لكل شخص هي الواقع الحقيقي الذي لا يمكن بأي  حال نقلها أو اختزالها.

    ج) موقف ماكش شيلر:

      يؤكد ماكس شيلر على أن معرفة الغير ممكنة ومتاحة، وتقتضي فقط أن ندرك ما يبدو على ظاهره من تعبيرات وسلوكات خارجية. لذلك لا يجب الفصل بين الحياة النفسية الداخلية للغير، وتعبيره الطبيعي الخارجي، إذ لا ينبغي الحديث عن جسد الغير في استقلال عن جانبه النفسي الباطني، فالغير كل لا يقبل القسمة، وما الإشارات والتعابير الخارجية إلا وجه من أوجه الأحاسيس الداخلية، ولو هذه ما ظهرت تلك على قسمات وجهه وفي حركات أعضاء جسمه.
   من خلال ذلك يؤكد ماكس شيلر على أن إدراك الغير لا يتم بنفس طريقة إدراك أشياء العالم الطبيعي الفزيائي، التي يتم خلالها تقطيع الموضوع المدرك إلى أجزائه وإعادة تركيبه، فاحمرار وجنتي الغير لا يمكن فصلها عن شعوره بالخجل، واعتبارها مجرد مظهر له، بل إن الاحمرار يدل بشكل مباشر ودين تعقيد يذكر على أن الغير في حالة خجل. فالمظاهر التعبيرية الجسدية هي نفسها الأحاسيس الداخلية.

3)  خلاصة تركيبية .

      تطرح مسألة النظر إلى الغير في ظل ثنائية ذات/موضوع إشكالية معرفته، فإذا كان بعض الفلاسفة يعتقدون أن معرفة الغير انطلاقا من افتراض التشابه والمماثلة أمرا غير ممكن، كون الغير مختلف ومستقل عن الأنا، فإن آخرون يرون إمكانية معرفته. 
   لذلك يمكن القول أن معرفة الغير تبقى معرفة نسبية ما دام الغير ليس شيئا يمكن النظر إليه موضوعيا.

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-